كم باقي على رأس السنة الهجرية؟

رأس السنة الهجرية: ذكرى الهجرة وبداية أمة

رأس السنة الهجرية، أو الأول من شهر محرم، ليس مجرد بداية لعام جديد في التقويم الإسلامي، بل هو مناسبة عظيمة تحمل في طياتها ذكرى حدث غيّر مجرى التاريخ: هجرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة. هذه الهجرة لم تكن مجرد انتقال مادي، بل كانت نقطة تحول كبرى، انطلقت منها الدولة الإسلامية، وبدأ عصر جديد من التمكين والعزة للإسلام والمسلمين.

إن الاحتفاء ببداية العام الهجري هو احتفاء بالهوية الإسلامية، وتذكير بالأسس التي قامت عليها هذه الأمة: التضحية، والإيمان، والأخوة، والتوكل على الله. فالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه تركوا ديارهم وأموالهم في مكة فرارًا بدينهم، فآواهم الأنصار في المدينة ونصروهم، ليؤسسوا معًا مجتمعًا فريدًا قائمًا على العدل والرحمة والإيمان. لذلك، فإن تذكر الهجرة مع بداية كل عام هجري هو تذكير بمعنى البدايات الجديدة، وبأن بعد كل عسر يسرًا، وبأن نصر الله مع الصابرين.

الهجرة النبوية: الحدث الذي غيّر مجرى التاريخ

بعد ثلاثة عشر عامًا من الدعوة في مكة، تعرض فيها النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون الأوائل لأشد أنواع الأذى والاضطهاد، أذن الله لنبيه بالهجرة إلى يثرب (التي سُميت بعد ذلك بالمدينة المنورة). لم تكن الهجرة فرارًا، بل كانت انتقالًا استراتيجيًا لبناء قاعدة آمنة للدعوة. اشتد أذى قريش حتى تآمروا على قتله، فأخبره جبريل عليه السلام بالمؤامرة وبأمر الله له بالخروج. بدأت الرحلة المباركة بالتخطيط الدقيق والتوكل المطلق على الله.

خرج النبي ﷺ مع رفيقه الصدّيق أبي بكر رضي الله عنه ليلًا، متجهين جنوبًا نحو غار ثور للاختباء، عكس اتجاه المدينة شمالًا، لتمويه المشركين. مكثا في الغار ثلاثة أيام، ورغم أن المشركين وصلوا إلى فم الغار، إلا أن الله حفظهما بمعجزات باهرة. بعد ذلك، انطلقا في رحلة شاقة عبر الصحراء، واجهوا فيها المخاطر، حتى وصلا إلى قباء على مشارف المدينة، حيث استُقبلا استقبالًا حافلاً لم يشهده التاريخ، بالتهليل والتكبير والأناشيد التي تعبر عن فرحة الأنصار بقدوم رسول الله.

قصة وضع التقويم الهجري

لم يكن المسلمون في بداية الإسلام يؤرخون بسنة معينة، بل كانوا يعتمدون على الأحداث الكبرى (مثل عام الفيل). وفي عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومع اتساع رقعة الدولة الإسلامية، برزت الحاجة إلى تقويم موحد لتنظيم شؤون الدولة والمراسلات. وبعد التشاور مع كبار الصحابة، طُرحت عدة اقتراحات، منها التأريخ بمولد النبي ﷺ، أو ببعثته. لكن الرأي استقر على اقتراح علي بن أبي طالب رضي الله عنه بأن يكون المرجع هو حدث الهجرة النبوية، لأنه الحدث الفاصل الذي فرق بين الحق والباطل، وبدأت به دولة الإسلام. وتم اختيار شهر “محرم” ليكون أول شهور السنة، لأنه الشهر الذي يلي انتهاء المسلمين من أداء فريضة الحج، وهو شهر حرام.

شهر محرم وفضل صيامه

شهر محرم هو أول شهور السنة الهجرية، وهو أحد الأشهر الحرم التي قال الله فيها: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ}. وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على الإكثار من الصيام فيه، فقال: “أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم”.

ومن أبرز أيام شهر محرم هو “يوم عاشوراء”، وهو اليوم العاشر منه. صيامه له فضل عظيم، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: “وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ”. وهو اليوم الذي نجى الله فيه موسى عليه السلام وقومه من فرعون وجنوده. فصامه موسى شكرًا لله، وصامه النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه، واستحب أن يُصام معه اليوم التاسع (تاسوعاء) مخالفة لليهود.

كيف نستقبل العام الهجري الجديد؟

إن أفضل طريقة لاستقبال العام الهجري الجديد هي التأمل والمحاسبة، لا الاحتفالات التي لم ترد في السنة. يمكن للمسلم أن يجعل من هذه المناسبة نقطة انطلاق جديدة في حياته:

• محاسبة النفس: أن يتفكر المسلم في عامه المنصرم، ماذا قدم فيه لآخرته؟ وما هي الذنوب التي قصر فيها ليجدد التوبة منها؟
• التوبة الصادقة: أن يبدأ عامه الجديد بتوبة نصوح، وعزم أكيد على ترك المعاصي والإقبال على الطاعات.
• التخطيط للمستقبل: أن يضع أهدافًا روحية وسلوكية للعام الجديد، كأن يلتزم بورد يومي من القرآن، أو يحافظ على صلاة الوتر، أو يصل رحمًا قطعها.
• الدعاء: أن يدعو الله أن يجعل العام الجديد عام خير وبركة ونصر للإسلام والمسلمين.

لتحديد أهدافك وتتبعها على مدار العام، يمكنك الاستعانة بأدوات التقويم على موقع ummalquracalendar.org.